الربح من صناعة المحتوى
Jan 19, 2025لن أخبرك في هذا المقال كيف تنشئ قناة يوتيوب أو تيكتوك، فيها ملايين المتابعين، حتّى تحقق الربح من صناعة المحتوى وتحوّله إلى مصدر دخل ثابت ومحترم.
ما سأخبرك به يبدو أقل بهرجةً ولا يعتمد على تحقيق شهرة واسعة، ولكنّه أكثر قابلية للتحقيق من طرق الكسب الشائعة في عالم صناعة المحتوى. ما سأكشفه لك في هذا المقال هو كيفية استغلال نقاط قوتك وخبراتك من خلال تسويقها ووضعها أمام من يحتاجها حتّى تحقّق منها دخلاً ثابتاً بينما أنت جالس في بيتك.
قصّتي مع الربح من صناعة المحتوى:
عندما بدأت نشر المحتوى في لينكدان مع بداية 2023، كان لدي 0 خبرة في التسويق، 0 خبرة في المبيعات، 0 خبرة في كتابة المحتوى. كان لدي شي واحد فقط، الوقت للتجريب. جمعت بعض المدّخرات، قدّمت استقالتي، وبدأت الكتابة في لينكدان، التعلّم عن التسويق والمحتوى والمنصّة، والعمل على تصميم خدمات ومنتجات وحلول.
هذا لا يعني أنّك ستحتاج لترك وظيفتك حتّى تبدأ بتحقيق الربح من المحتوى. أنا أكتب لك هذه السطور حتّى لا تكون مضطراً أصلاً لفعل ذلك. ما ستتعلّمه في هذا المقال سيساعدك على تحقيق المكاسب قبل أن تقدم على أي مخاطرة غير محسوبة.
أوّل 7 أشهر من كتابة المحتوى لم أدخل فلساً في جيبي، حتّى جائتني فرصة للعمل ككاتب محتوى خفي، هنا كسبت أوّل دولار. دخلت بعد عدّة أشهر عالم التدريب من باب الاستشارات الفردية، وقدّمت عدّة ورش جماعية. بعد عام ونصف من وجودي في لينكدان قدمت أكثر من 4 خدمات متّصلة بالتطوير المهني وجذب العملاء من المنصّة.
معضلة الربح من الانترنت لم تعد غير قابلة للحل كما كانت بالنسبة لي. ما أعاني منه اليوم هو: على أي مصدر دخل سأركّز؟ منذ سنتين كنت أتمنّى المعاناة من هذا النوع من المشاكل.
لماذا أخبرك بهذا؟ لأنّ ماحقّقته حتّى اليوم (من بعد توفيق الله) غير مرتبط بمهارة ما أو موهبة أو ميزة لا يملكها أحد. الأمر منوط بنسبة كبيرة جدّاً بالاستمرارية. لو لم أستمر 7 أشهر، لن أعرف كيف أجني أوّل دولار، ولو لم أستمر سنة أخرى، لن أصل إلى أوّل 10 آلاف دولار. لو لم أستمر، كان ممكن أن أرفع الراية البيضاء عند أي نقطة، ثم أعود لأجرّب شيء جديد ظنّاً مني أنه هو النافع.
ستجد كل الأجوبة التي تحتاجها عندما تبدأ….وتستمر
في مخطّط جميل يستعرضه أليكس هرموزي، رمز البيزنيس وصناعة المحتوى المعروف، يشرح التالي:
جميع مسارات النجاح متشابهة، تبدأ بتفاؤل الجاهل، حيث تتحمّس لدخول طريق جديد للكسب لا تعرف عنه شيئاً، وعندما تبدأ بالتعلّم عنه وتقطع شوطاً فيه تكتشف أنّه أصعب مما توقّعت، هنا تصل إلى نقطة تسمّى نقطة التشاؤم المعرفي (2). النقطة المفصلية نحو النجاح تبدأ بعد الخطوة (2)، اذا سمحت لذلك التشاؤم بالسيطرة عليك ستضيع وتسقط (3).
الناجح يتخطّى السقوط (3) باكتساب المعرفة اللازمة حتى يصل إلى تفاؤل مدعوم بالمعرفة (5)، الوصول إلى هذه النقطة لا تكون ممتعة عادةً، ولكن تخطي النقطة (3) باكتساب المعرفة اللازمة ضروري لتحقيق أي نجاح. الأغلبية يقف عند النقطة (3)، يتلفّت حوله، ثم يرى فرصة أخرى تبدو أسهل، فينتقل إليها، مايدركه لاحقاً أنّه سيبدأ من جديد عند نقطة تفاؤل الجاهل (1) التي سيراها في كل فرصة أخرى، وأن نقطة التشاؤم المعرفي لا بد من المرور عبرها في أي فرصة حتّى نحولها لتجربة نجاح.
الاستمرارية اذاً ليست فعل نفس الشيء لفترة طويلة، ولكن تطوير هذا الشيء بنسبة بسيطة بشكل مستمر. عندما تكون مطمئن تماماً أن كل ما تفعله صحيح، كن واثقاً أنك يجب أن تقلق ولو قليلاً. لماذا؟ لأنّ هناك دائماً شيء صغير يحتاج للتحسين. الاستمرارية المرتبطة بفضولك الذي لا ينتهي للعثور على أجوبة لأسئلتك والمعضلات التي تواجهك، هذا ما تحتاجه لتدخل نادي الربح من المحتوى.
كيف أبدأ؟
ضع لنفسك نقطة زمنية محددة يجب أن تأخذ عندها خطوتك الأولى. اذا لم تضع لنفسك تلك النقطة ستبقى في مرحلة المتعلّم والمستكشف بدون أن تفعل شيئاً، التعلّم سيتحوّل إلى منطقة راحتك وستغرق تدريجيّاً في دوامة التسويف. قل: "بتاريخ ((كذا)) سأشارك أول محتوى لي". أنت بهذا لا تعطي لنفسك أي مبرّر للتأجيل، وبنفس الوقت ستلزم نفسك تعلّم ما يلزم فقط لتبدأ، ليس تعلّم كل شيء عن أي شيء، المثالية هنا عدوّك اللدود.
أين أبدأ؟
في التسويق لنفسك كخبير، أرى لينكدان مكان مثالي لعدّة أسباب أهمّها: 1. منصّة تحمل طابع ايجابي ومهني أكثر من أي منصّة سوشيال ميديا أخرى، إضافة لندرة الحسابات الوهمية فيها مقارنة بباقي المنصّات 2. المحتوى المكتوب فيها مازال رائجاً وتستطيع الاعتماد عليه للانتشار وبناء سمعتك الرقميّة، هذا يجعل بدايتك خفيفة وسهلة بشكل كبير، لأنك لن تحتاج الأدوات المرتبطة بصناعة أشكال المحتوى الأكثر تعقيداً كالمحتوى المصوّر أو المسجّل.
عن ماذا ستكتب؟
بدون أي تعقيد ، 3 أسئلة كافية لتحدّد لك ما الذي تريد أن تشتهر به عند جمهور ما، وما القيمة التي ستقدّمها لهذا الجمهور حتّى يدفع لك النقود بالمقابل. اسأل نفسك التالي:
1. ما هو المجال الذي أستطيع التحدث عنه ساعة كاملة بدون تحضير؟
لو سألتني عن التسويق سأحدّثك عنه لساعات، سأتفرّع في شرح بعض المصطلحات، سأضرب لك أمثلة تبسّط لك بعض المفاهيم، سأحكي لك أكثر من قصة وأجيبك عن كل سؤال بأكثر من إجابة مع اختلاف السياق، هنا أنا أعرف أني ملم بالتسويق عموماً. قد يكون مجالك الصحة النفسية،الصحة الجسدية،المبيعات، أو إدارة الموارد البشرية. هذه مجالات واسعة يتفرّع تحتها الكثير من التخصّصات.
2. ضمن هذا المجال، أين أترك الأثر الأكبر؟
هنا ستذهب للتخصّص ضمن مجالك. أسهل طريق نحو تخصّص واقعي هو ان تختار -شخصية عميل مؤهل لديه قدرة شرائية - يعاني من مشكلة ملحّة - تحقق عائد محدّد من أجله - بواسطة حل يناسب ظروفه.
مثال: أساعد رواد الأعمال العرب - تستنزفهم التكاليف الباهظة للتسويق - جذب عملاء جدد بشكل مستمر - من خلال بناء علامتهم الشخصية في لينكدان.
اذا كنت خبير تغذية مثلاً: أساعد الأم العاملة - لا تجد الوقت لممارسة الرياضة - بناء جسم رشيق وصحي - من خلال برنامج تغذية سهل التحضير.
3. ما هي أكثر الأسئلة والاعتراضات الشائعة في هذا التخصّص؟
الهدف من المحتوى الذي ستشاركه هو جعل عميلك المثالي أكثر وعياً بالسبب الحقيقي وراء المشاكل التي يعاني منها، وما الحلول التي يجب أن يبحث عنها. جزء صغير فقط من المحتوى سيتحدّث عن انجازاتك والحلول التي تقدّمها.
تكملة لمثالنا السابق: خبير التغذية لن يتحدّث فقط عن روعة وكفاءة برنامج التغذية الخاص به. ولكن عن كل ما يقود الأم العاملة لتبحث أصلاً عن حل لمشكلة جسدها المتعب. محتوى مثل:5 أمور تدل حاجتك لنظام صحي أفضل، هكذا يؤثّر الطعام على انتاجيتك في العمل، كيف تبني جسماً رشيقاً بدون اشتراك جيم.
عندما تحس أنّك علقت عند أي سؤال من هذه الأسئلة، لا تنتظر كثيراً، هذا مؤشّر على امكانية التسويف، إبدأ بما لديك الآن. بعض الأسئلة لن تجد لها أجوبة أبداً حتّى تبدأ وتحقّق بعض الاستمرارية. لن تبدأ مثاليّاً، سترتكب الكثير من الأخطاء وهذا طبيعي، بل هو ضروري.
تقول بروفيسورة علم النفس إيلين لانغر في إحدى لقاءاتها: " بدل أن تضيّع وقتك في القلق قبل اتخاذ القرار الصحيح، اجعل أي قرار تتخّذه لاحقاً هو الصحيح". أدعوك للتأمل جيّداً في هذا القول.
كيف أستمر؟
في رحلة الاستمرار يلزمك 3 عناصر ستجعلك غير قابل للإيقاف: الرؤية، مكاسب صغيرة، النظام التشغيلي.
الرؤية: أكثر تعريف أراه واقعياً عن الرؤية هو: أنها ليست هدف، لأن الأهداف تتغير باستمرار، ولكنها صور من المستقبل تزور ذهنك باستمرار، عن شكل الحياة التي تريد أن تعيشها، عن شكل المجتمع من حولك، وعن الشخص الذي تريد أن تكونه.
رؤيتي مثلاً: أريد أن أعمل من أي مكان في العالم لتأمين دخل محترم يحقّق لي الحريّة المالية. أريد مجتمعاً يحقّق الربح من الانترنت من خلال تبادل المعرفة، وليس من خلال أشياء أخرى. أريد تعليم أصحاب المهارات والخبرات كيفية تأمين حياة أفضل من خلال العمل الرقمي.
عندما تملك رؤية تكون أكثر تركيزاً وتوازناً، لا يهزّك أي تغيّر من حولك، تستطيع أن تأخذ القرارات أسرع من غيرك، وتستطيع العودة للعمل في لحظات تفقد فيها الأمل.
مكاسب صغيرة: تحقيق تلك المكاسب وقود استمراريتك. تقوم تلك المكاسب على تحديد أهداف مرحلية وليس أهداف سنوية أو نصف سنوية. العالم اليوم يتطوّر بسرعة جنونية، وخاصة الرقمي، لذلك ما تجعله هدفاً لك بعد عام قد تكتشفه عدم جدواه بعد أسابيع فقط. ركّز على أهداف قصيرة الأمد قدر الإمكان. مادمت تملك الرؤية فلا خوف عليك، ستصل إلى مصدر الربح المثالي لك عاجلاً أم آجلاً.
مثال عن الأهداف التي تحقّق مكاسبك صغيرة، هي الأهداف المرتبطة بما تنجزه لا بما تحقّقه. قل مثلاً "سأكتب 4 مقالات هذا الشهر". لا تقل "سأربح 2000 دولار من بيع خدماتي". الهدف الأوّل تابع لالتزامك، الهدف الثاني تابع لعوامل خارجية كثيرة. استمرارك في كتابة المقالات وتحسينها بناءً على أراء القرّاء سيمهّد لك الطريق لتصل إلى أوّل دولار، بعدها ستتعلّم كيف تضاعفها.
النظام التشغيلي: اذا اعتمدت على مزاجك في صناعة المحتوى فأنت تراهن على أكثر الأمور خطورةً. ما تحتاجه حتّى تستمر هو بناء نظام تخرج فيه أفكارك بشكل مستمر، لتستفيد منها في ساعة انغلاق الأفكار التام عندما تجلس لتكتب. هكذا لن تتأثّر خطّة المحتوى بمزاجك، ولن تحتاج وقت اضافي كل مرّة تجلس لتكتب فيها.
يتم تقسيم هذا النظام على 3 مستويات:
المستوى الأوّل: بنك الأفكار، حيث تجمع كل الأفكار التي تلهمك وتريد الحديث عنها في مكان واحد.
المحتوى قد يكون: أفكار طارئة داهمتك في ساعة انشغال خارج العمل، مقال أو فيديو أو بودكاست حضرته، اقتباس أو فكرة قرأتها في كتاب ما. عندما تبدأ الكتابة من أفكار جاهزة أمامك، لن تجد أي مبرّر للتوقّف.
المستوى الثاني: كتابة المسودة في وقت محدّد. اكتب منشورات الاسبوع كاملاً ضمن وقت محدّد (لنقل ساعتين في يوم عطلتك). هكذا تضمن تحقيق أمرين: -لا تحتاج الدخول في عملية إحماء من 20-30 دقيقة قبل كتابة كل منشور -تدفّق الأفكار سيجعلك تنجز أسرع وبجودة أفضل.
المستوى الثالث: التنسيق. هنا تعمل على تحسين المحتوى ليظهر بشكله النهائي المثالي. ركّز على جعله جذّاباً حتّى لو كان نصّاً فقط من خلال استخدام أكبر للفراغات بين الأسطر، تجنّب الحشو والجمل الطويلة، أكثر ملائمةً لأجهزة الموبايل، وكتابة مقدّمة خاطفة غير منتظرة تجذب انتباه القرّاه وتحفّزهم للوقوف والمطالعة.
لماذا النظام مهم؟ لأنّك مع الوقت ستعتاد عليه، وتصبح عملية صناعة المحتوى بالنسبة لك عادة أكثر منها واجب متعب.
الخلاصة:
تحقيق الربح من المحتوى لم يعد مقترناً بالشهرة وجمع أعداد هائلة من المتابعين ولكن باختيار منصّة محددة، الظهور المنتظم فيها، مع تقديم قيمة لجمهور محدّد. هذا كافي لتوليد دخل شهري محترم ولو كان لديك ألف متابع فقط.